الثلاثاء، 29 أغسطس 2017

الشيخ صالح الكواز .. قصيدة من روائع الشيخ صالح الكواز الحلي

أغـابـاتُ أُسدٍ أمْ بروجُ كـواكب
 

أمِ الـطـفُّ فـيهِ اسـتُشهدت آلُ غـالبِ
 
ونـشرُ الـخزامى سـارَ تـحملهُ الـصبا
 

أمِ الـطيبُ مـن مـثوى الـكرامِ الأطائبِ
 
وقـفـتُ بـهِ رهـنَ الـحوادثِ أنـحني
 

مـن الوجدِ حتى خِلتني قوسَ (حاجبِ)(1)
 
تـمـثّلتُ في أكـنافهِ ركـبُ هـاشم
 

تـهـاوت إلـيهِ فـيهِ خـوصُ الـركائبِ
 
أتـَوهـا وكـلُّ الأرضِ ثـغرٌ فـلم يـكن
 

لـهـم مـلـجأً إلاّ حدودُ الـقواضبِ
 
وسـمـراً إذا ما زعـزعوها حـسبتها
 

مـن الـلينِ أعـطافَ الـحسانِ الكواعبِ
 
وإن أرسـلـوها في الـدروعِ رأيـتها
 

أشدّ نـفـوذاً مـن أخِ الـرملِ واثـبِ
 
هم الـقـومُ تؤمٌ لـلعلاءِ ولـيدهم
 

ونـاشـؤهم لـلـمجدِ أصـدقُ صـاحبِ
 
إذا هو غـنّـتهُ الـمـراضعُ بـالـثنا
 

صـغـى آنـسـاً بـالمدحِ لا بـالمحالبِ
 
ومن قـبـلِ تـلـقينِ الأذانِ يـهـزّه
 

نداءُ صـريـخٍ أو صـهيلُ سـلاهبِ
 
بـنـفسي هـم مـن مـستميتينَ كـسروا
 

جـفونَ الـمواضي فـي وجـوهِ الكتائبِ
 
وصـالوا عـلى الأعـداءِ أُسـداً ضوارياً
 

بـِعـُوجِ الـمواضي لا بـعوجِ الـمخالبِ
 
تـراهـم وإن لـم يـجهلوا يـومَ سـِلمهم
 

أقلَّ ظـهـوراً مـنهم فـي الـمواكبِ
 
____________________
1 - ويعني حاجب بن زرارة التميمي صاحب القوس التي رهنها عند كسرى إنوشروان وقصّته معروفة.



إذا نـكـَّرتـهم بـالـغـبارِ عـجـاجـةٌ
 

فـقـد عـرَّفـتهم قُـضبهم بـالمضاربِ
 
بـها لـيلُ لـم يـبعثْ لـها العتبَ باعث
 

إذا قرّطَ الـكـسلانَ قـولُ الـمعاتبِ
 
فـحـاشاهم صـرعـى ومن فـتياتهم
 

بـهم قـد أحـاطَ الـعتبُ مـن كلِّ جانبِ
 
تُـعـاتـبهم وهي الـعـليمةُ أنّـهـم
 

بـريـئونَ مـمّا يـقتضي قـولُ عـاتبِ
 
ومـذهولةً فـي الـخطبِ حـتى عن البكا
 

فـتدعو بـطرفٍ جـامدِ الـدمعِ نـاضبِ
 
تـلبّي بـنو عـبس بـن غـطفان فـتيةً
 

لـهم قـُتلت صـبراً بـأيدي الأجانبِ(1)
 
وصـبيتكم قـتلى وأسـرى دعـت بـكم
 

فـما وجـدت مـنكم لـها مـن مـجاوبِ
 
وما ذاكَ مـمّـا يـرتـضيهِ حِـفاظكم
 

قـديماً ولـم يـُعْهَدْ لـكم فـي الـتجارِبِ
 
عـذرتـُكُـمُ لم أتّـهـمْكُمْ بـجَـفوةٍ
 

ولا سـاورتـْكُم غـفـلةٌ فـي الـنوائبِ
 
شـكت وارعـوت إذ لـم تجد من يجيبها
 

وما في الحشى ما في الحشى غير ذاهبِ(2)
 
وبـاكـيةٌ حرّى الـفـؤادِ دمـوعـها
 

تـصعَّدُ عـن قـلبٍ مـن الـوجدِ ذائـبِ
 
تـصـكُ يـديـها فـي الـترائبِ لـوعة
 

فـتـلهبُ ناراً من وراءِ الـترائبِ
 
____________________
11 - تلبي بنو عبس بن غطفان فتية
ويقرأها الذاكرون (تلبي بنو ذبيان أصوات فتية)، وهو غير صحيح؛ لأنّ التلبية كانت لبني عبس حين ثأروا لصبيتهم الثمانية الذين قتلهم بنو ذبيان وكانوا رهائن عند مالك بن شميع، وذلك في الحرب التي دارت بين ابني بغيض (ذبيان وعبس) 40 سنة؛ بسبب تسابق (قيس وحمل) على رهان مئة ناقة، وتفصيلها في الكتب التاريخية الكبيرة.
2 - كلمة (ما) في الجملتين من هذا الشطر اسم موصول.



ومدت إلـى نـحو الـغريين طـرفَها
 

ونادت أبـاها خـيرَ مـاشٍ وراكـبِ
 
أبا حـسـنٍ إنّ الـذيـن نـمـاهم
 

أبو طـالـبٍ بـالطفِّ ثـارٌ لـطالبِ
 
تـعاوت عـليهم مـن بـني صخر عصبة
 

لـثاراتِ يـومِ الـفتحِ حـرَّى الـجوانبِ
 
وسـامـوهـم إمّا الـحـياةَ بـذلـة
 

أو الـمـوتَ فـاختاروا أعـزَّ الـمراتبِ
 
فـهـاهم عـلى الـغبراءِ مـالت رقـابهم
 

ولـمّا تـمِل مـن ذلّـةٍ فـي الـشواغبِ
 
سـجـودٌ عـلى وجـهِ الـصعيدِ كـأنّما
 

لـها فـي مـحاني الطفِّ بعضُ المحاربِ
 
مـعـارضـها مـخـضـوبة فـكـأنّـها
 

مـلاغـمُ أُسدٍ بـالـدماءِ خـواضـبِ
 
تُـفـجّرُ مـن أجـسامِها الـسمرُ أعـيناً
 

وتـُشـتقُّ مـنـها أنـهرٌ بـالقواضبِ(1)
 
ومـمّا عـليكَ الـيومَ هـوّنُ مـا جـرى
 

ثـووا لا كـمثوى خـائفِ الـموتِ ناكبِ
 
أُصـيـبوا ولـكـن مـُقـبِلينَ دمـاؤهم
 

تـسـيلُ عـلـى الأقـدامِ دون الـعراقبِ
 
مـمـزّقـةَ الأدراعِ تلقى صـدورهـا
 

ومـحفوظةً مـا كـانَ بـينَ الـمناكبِ(2)
 
تـأسّـى بـهـم آلُ الـزبـيرِ فـذلـلت
 

لـمصعبَ في الهيجا ظهورَ المصاعبِ(3)
 
____________________
1 - ونظر في معنى بيته إلى قول ابن نباتة السعدي:
خلقنا بأطرافِ القنا في ظهورهم
 

عيوناً لها وقعُ السيوفِ حواجبُ
 
2 - تداول هذا المعنى الشعراء، والأصل فيه قول الحصين بن الحمام المري:
ولسنا على الأعقابِ تُدمى كلُومنا
 

ولكن على أقدامنا تقطرُ الدما
 
3 - في هذه الأبيات ذكر المشاهير من الأباة؛ ففي الأوّل: أشار إلى مصعب بن الزبير الذي قُتل سنة 71 هـ‍‍، وكان العضد الأقوى في تثبيت ملك أخيه عبد اللّه بالحجاز والعراق، ولاّه أخوه البصرة فزحف على الكوفة وقتل المختار، ثمّ زحف عليه عبد الملك =



ولـولاهـم آلُ الـمـهلّبِ لم تـمـت
 

لـدى واسـطٍ مـوتَ الأبـي المحاربِ(1)
 
وزيدٌ وقد كانَ الإبـاءُ سـجيةً
 

لآبـائـهِ الـغـرِّ الـكـرامِ الأطـائبِ(2)
 
كأنّ عـلـيهِ أُلـقـي الـشبحُ الـذي
 

تـشـكّلَ فـيـهِ شـبهُ عـيسى لـصالبِ
 
فـقل لـلذي أخـفى عـن الـعينِ قـبره
 

مـتى خـفيتْ شـمسُ الـضحى بالغياهبِ
 
وهل يـختفي قـبرُ امـرئ مـكرماته
 

بـزغـنَ نـجـوماً كـالـنجومِ الـثواقبِ
 
ولـو لـم تـنمُّ الـقومُ فـيهِ إلـى العدى
 

لـنـمَّت عـلـيهِ واضـحـاتُ الـمناقبِ
 
كأنّ الـسـما والأرضَ فـيهِ تـنافسا
 

فـنـالَ الـفضا عـفواً سـنيُ الـرغائبِ
 
لـئن ضـاقَ بـطنُ الأرضِ فـيهِ فـإنّه
 

لِـمَنْ ضـاقَ فـي آلائـهِ كـلّ راحـبِ
 
عـجبتُ ومـا إحـدى الـعجائبِ فـاجأت
 

بـمـقتلِ زيدٍ بـل جـميعِ الـعجائبِ
 
____________________
= ابن مروان بجيوش الشام، وعرض عليه الأمان والولاية على العراق، وبذل له ألف ألف درهم فأبى الخضوع للحكم الأموي، وتخاذل عنه أصحابه وقاتل حتى قُتل على نهر (الدجيل) بالقرب من (مسكن) سنة 71 هـ‍‍.
1 - أشار إلى يزيد بن المهلّب ابن أبي صفرة الأزدي من الشجعان الأباة، تنقّل في عدّة ولايات في العهد الأموي، وحُبس مراراً ثمّ أُطلق، ونهض بالبصرة ونازع بني أُميّة الخلافة، فقاتله مسلمة بن عبد الملك وقُتل بين واسط وبغداد سنة 102 هـ.‍‍
2 - أشار إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام) الذي نهض سنة 120 هـ‍‍ في الكوفة بعد ما بايعه كثير من أهلها، فجهّز إليه هشام بن عبد الملك جيشاً بقيادة يوسف بن عمرو الثقفي، وقاتل حتى استشهد في السبخة، وأخرجه بنو أُميّة بعد دفنه وصلبوه في كناسة الكوفة أربع سنين، ثمّ أحرقوه بعد ذلك بالنار، وعمره يوم قُتل 42 سنة.




أتـَطْـُردُ قـربـى أحـمدٍ عـن مـكانِه
 

بـنو الـوزغِ الـمطرودِ طـردَ الـغرائبِ
 
وتـحـكمُ فـي الـدينِ الـحنيفِ وإنّـها
 

لأنـصـبُ لـلإسلامِ مـن كـلّ نـاصبِ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق